كتب الشاعر الراحل علي الصافي مقطعا غريبا في مجموعته اليتيمة: (وحيد كأصبع مقطوعة)، وعنون الشاعر المرتحل دخيل الخليفة مجموعته الشعرية الجديدة بـ «يد مقطوعة تطرق الباب».. ذلك أنهما مثل شجرة سدر اقتلعت غصبا من أرضها، لكن جذرا من جذورها بقي ممتدا في عمق التراب يغذيها بالحياة والنماء، ويضمن لها البقاء، فهي شجرة منطرحة على الأرض كالميتة، وهي في الوقت ذاته مورقة ومزهرة وزاهية، ومن فرادتها أنها تثير الإعجاب والشفقة معا.. مثل أي مبدع «بدون» امتلأ صدره بحسرة طويلة، وفاض قلبه بدمع وفير، وكان دوما يداري - بخجل- حالة انعدام الهوية التي يعانيها، بسبب نظرات قاصرة أو مضايقات يتعرض لها، حتى إن هناك من يستكثر على البدون أن يكون مبدعا، فهو يجب أن يكون عديم كل شيء!
عديم حتى من حرية التعبير التي بسببها يعرض اليوم أمام القضاء مجموعة كل ذنبهم أنهم بدون ملوا حالة الإذلال الطويلة، فخرجوا يعبرون عن حزنهم فهم يحاكمون اليوم بتهمة الحزن بدون إذن.
وكان دخيل الخليفة دوما - مثله مثل أحمد الدوسري- عكس ذلك تماماً، لا يخجل من انعدام الهوية، ولا يخبئ رأسه ولا يطأطئ، بل يجاهر ببدونيته، فيعلو كعب إبداعه بين الحضور، ويطالب بحقه الشرعي في حياة كريمة.. بصوت جهوري، ويصفع كل من تسول له أوهامه بأن هناك قصيدة بجنسية مادة أولى، وقصيدة بالتجنيس، وقصيدة «طرثوثية»!
والإبداع أصلا مولود في قلب الحزن.. مثل لؤلؤة ولدت من شرخ في قلب محارة، والحر لا يستعبد الناس، ولا ينظر إليهم بدونية.. فقد قالوا في أمثال البادية: «الزوم.. لعيال الشوم» وفي الوقت ذاته، لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب.. على حد وصف أبي تمام.
وبصفته أجمل المخلصين للشعر.. تفرقنا عن مائدة الثقافة، وثبت هو في أرض القصيدة والمبدأ.. وللثبات ثمن يصل إلى «لقمة العيش»!
ورغم ظمئي لشعر ناعم شفيف، لم أستطع حضور حفل دعاني إليه المبدع دخيل، وهو يوقع مجموعته التي صدرت حديثا.. لكنني استمتعت بقراءتها في مساء فائت، وسأعلق الآن على جدار مكتبي هذا المقطع:
(الحب ليس مكالمة عاجلة
ولا غرفة بسريرين يستوعبان ضحكة مؤجلة
انه اعتذار متأخر
لشارع يسهر وحيدا!)