كنت أنوي في هذه المقالة أن أتحدث عن المزاج الشعبي المطالب بوجوه جديدة في مجلس الأمة، ولكن ما حدث قبل أيام عدة من تفريق لاعتصام البدون في تيماء بمنطقة الجهراء بالقوة من قبل القوات الخاصة يفرض علينا من الناحية الإنسانية والأخلاقية تناول الموضوع، حتى لو لم يكن ذلك يغني من الأمر شيئاً، وإنما على الأقل من باب معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون. لقد كان مثيراً للاشمئزاز منظر قوات الأمن بجحافلها وآلياتها وهي تستعرض بطولاتها العنترية باستخدام القنابل المسيلة للدموع وتنقض بالهراوات على أناس عزل يعبرون عن معاناتهم بطريقة سلمية، بل وتمعن في تعسفها بملاحقتهم بين بيوت الصفيح التي
يعيشون فيها.
إذا كنا في الكويت نتابع ونتعاطف مع معاناة الشعوب العربية التي تعرضت للظلم والحرمان لفترة طويلة فإن من باب أولى أن نتعاطف مع من يعيشون بين ظهرانينا ونحاول أن نرفع الظلم عنهم ولو بكلمة، وهو أضعف الإيمان. يكفي لإدراك حجم المعاناة التي يعيشها هؤلاء المستضعفون أن نفكر بشعور الآباء والأمهات البدون الذين يرون أبناءهم يكبرون أمامهم وهم لا يعرفون المستقبل الذي ينتظرهم. إنه شعور مدمر أيها الناس، ولكن هناك من يريد للبدون ألا يعبروا عن معاناتهم حتى بالأنين والشكوى،
وكأن لسان حاله يقول:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال إياك إياك أن تبتل بالماء
بعد عقود من المماطلة الحكومية عبر لجان لمعالجة موضوع البدون وآخرها الجهاز المركزي الذي يرأسه صالح الفضالة، أقول للبدون لا تعولوا كثيراً على هذه الحلول فهي لا تسمن ولا تغني من جوع، كما لا تغتروا بتصريحات النواب الرنانة لأنها في الغالب من باب رفع العتب ليس إلا وهو كلام ليل يمحوه النهار. لا سبيل لكم في الانتصار لقضيتكم إلا بالاستمرار في المطالبات السلمية، لأن أسلوب الضغط هو اللغة الوحيدة التي يفهمها أصحاب القرار، ولا تتكلوا على أحد سوى على الله ثم على جهودكم، فلا ينهض بالحمل الثقيل إلا أهله. في الختام لا بد أن نوجه تحية وتقدير خاصين للأختين الفاضلتين مها البرجس ولمى العثمان اللتين واكبتا أحداث تيماء لحظة بلحظة وقامتا بتوثيق
ما حصل بدقة، وأظهرتا حساً إنسانياً راقياَ، فلهما كل تحية وتقدير.