غير إنسانية وغير دستورية!
هناك مبادئ إنسانية وديمقراطية مقررة يفترض احترامها، ومن بين هذه المبادئ ما قرره الدستور الكويتي في المادتين 32 و33 من أنّه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون”، وأنّ “العقوبة شخصية”... فلا يصحّ تجريم أفعال لم يجرّمها القانون بالأساس، ولا يجوز تنفيذ عقوبات غير منصوص عليها في أي قانون، كما يُحظر تطبيق عقوبات غير شخصية تطاول الأهل والأقارب، كأن يُعاقب الآباء بدلا من أبنائهم؛ أو الأبناء بدلا من آبائهم، مثلما كانت الأحوال في العهود السالفة!
ولكن يبدو أنّ مجلس إدارة الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وفق التسمية الحكومية المعتمدة للكويتيين البدون، لم يسبق له سماع شيء عن مثل هذه المبادئ الديمقراطية والإنسانية أو الاطلاع عليها... فقد اعتمد مجموعة عقوبات غير منصوص عليها في أي قانون وما أنزل الله بها من سلطان على الشباب الكويتيين البدون الذين تحركوا للمطالبة بحلّ قضيتهم الإنسانية العالقة، وشملت هذه العقوبات أهالي هؤلاء الشباب، بغض النظر عن مشاركة الأهل في التحركات من عدمها... حيث تشمل العقوبات “تسريح العسكريين من منتسبي الدفاع والداخلية من الذين يثبت تورط أولادهم في المظاهرات وأعمال الشغب”، و”سحب البيت الشعبي من كل مَنْ يثبت تورطه في أحداث الشغب ومخالفة القوانين السارية”، و”إلغاء البطاقة الأمنية للمشاركين في الأحداث الأخيرة”، و”شطب ملف التجنيس لكل مَنْ شارك بالفعل والقول والتحريض على مخالفة قوانين البلاد”، و”متابعة المحرضين من الذين يدعون إلى مخالفة القوانين ويحرضون على الفوضى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وغيرها من الأجهزة”!
ومَنْ قرأ بيان مجلس إدارة الجهاز المركزي لابد أن يلحظ المنظور المتخلف وغير الديمقراطي الذي استند عليه، خصوصا عندما يصف بيان هذا المجلس حقوقا ديمقراطية أساسية مكفولة في الدستور مثل حرية التعبير وحرية الاجتماع وحقّ الاحتجاج بأنّها أحداث شغب.
ويزيد مجلس إدارة الجهاز طينه بلّة عندما استحدث عقوبات غير منصوص عليها في أي قانون، وتحديدا قانون الجزاء والمرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات، إذ ليس هناك في القانونين أي عقوبات تتصل بتسريح العسكريين ممَنْ يثبت تورط أولادهم، أو تقضي بسحب البيت الشعبي، أو إلغاء البطاقة الأمنية، وإنما هناك فقط عقوبة الحبس وعقوبة الغرامة المالية، ولا يتم فرضهما إلا بعد إجراء محاكمة عادلة.
والأخطر من ذلك ما انطوى عليه بيان مجلس إدارة الجهاز من تجاهل فجّ لمبدأ شخصية العقوبة وإعلانه فرض عقوبة تسريح الآباء العسكريين من الخدمة إذا كان أبناؤهم من الشباب المشاركين في التجمعات... هذا كله بالإضافة إلى الإعلان المتبجح من دون مواربة عن الملاحقة البوليسية للمدونين والمغردين على شبكة الانترنت ورصد مساهماتهم والتعامل معهم كمحرضين، وهي ملاحقة لن تقتصر على الشباب الكويتيين البدون وحدهم، بل ستطاول أيضا الكويتيين الحاصلين على الجنسية ممَنْ تضامنوا مع القضية أو عبّروا عن تعاطفهم مع المشاركين في التجمعات.
ولنا بعد هذا كله أن نتصوّر أي حلٍّ بائس لقضية الكويتيين البدون يمكن أن يقرره مجلس إدارة الجهاز المركزي بعقليته هذه؟!
أحمد الديين